06-20-2021
|
|
|
|
الحياة عبر الزمن
الحياة عبر الزمن
د. مطيع عبدالسلام عز الدين السروري [1] الحياة عبر الزمن حياة لا يستطيعها إلا من لديه استعداد ليحياها بعد موته، لا تكون هذه الحياة بمجرد ذكر الإنسان عبر الزمن من خلال القصص المحكية للناس، أو في ثنايا الكتب، أو حتى حديثًا من خلال التسجيلات المصورة عبر وسائل التقنية الحديثة، شرط الحياة عبر الزمن هو أنها تفيد الإنسان نفسه الذي يحياها بعد موته، وتفيد غيره في نفس الوقت،
أوضح مثال عليها: حياة نبي الله إبراهيم عليه السلام،
الذي طلب من ربه عز وجل، كما يخبرنا رب العزة والجلال على لسانه عليه السلام، أن يجعل له الثناء الحسن:
﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84]، وأيضًا يقول الله عز وجل عنه عليه السلام:
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 130]،
الحياة عبر الزمن ليست نفسها فكرة الخلود في الدنيا التي وسوس بها إبليسُ - لعنه الله - لأبينا آدم عليه السلام وزوجه،
الحياة عبر الزمن فكرة مشروعة وممكنة، لا أتحدث هنا عن الشهداء الذين هم - بلا شك - أحياء عند الله، وتلك أرقى المراتب لبني آدم بعد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنما القصد الحياة عبر العلم النافع.
أقول - بدون تحديد يعيق الفكرة -:
هناك أناس ما تزال حيةً بيننا بما تركته من إرث علمي وفكري وأدبي وإنساني وحضاري لا ينضب برغم مغادرتهم دنيانا، كانوا منشغلين بعميق الأفكار التي لا تنتهي بانتهاء المواقف والأحداث الحياتية، بل بأسس تلك المواقف والأحداث، أي كانوا غواصين في بحار العلم والفكر، والأدب والإنسان والحضارة، وليسوا مجرد سباحين مهرة، كانوا مشغولين بمسببات الأمور، ويصفون الواقع المستمر، وليس فقط واقعهم الآني حينها.
تمر الأيام والعقود والقرون والحِقَب وعلمهم وفكرهم وأدبهم ما يزال يرفد الإنسانية بجميل الصنع وطيب الأفعال، بذلك أصبحوا أصدقاء الناس عبر الزمن: أصدقاء لقومهم المعاصرين لهم، ولمن جاء بعد زمانهم في الأزمنة اللاحقة، حتى وصلوا إلى زماننا، وسيستمرون بعدما نغادر نحن هذه الحياة، تلك هي البركة، ونعمة الله في الدنيا، ولهم أجرهم في الآخرة بإذن الله، إنهم تركوا العلم النافع الذي أخبرنا عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف القائل: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ (رواه مسلم).
لم يحتكروا المعرفة الإنسانية لهم، ولم يستحوذوا على الأزمنة استبدادًا منهم، بل ترى قوافل العلماء والمفكرين والأدباء، في كل زمان، ينضمون للقافلة الإنسانية والحضارية المضيئة، وكلهم نجوم فيها، نسأل الله أن يوفيهم أجرهم في الآخرة أيضًا بفضله وكرمه.
أسعد الله أيامكم إخواني وأخواتي القراء، وجعلنا وإياكم ممن يعيش عبر الأزمنة بجميل الصنع وطيب الأفعال أثناء وبعد فَناء الأجساد، وممن ينفعهم علمهم في الدنيا والآخرة، آمين.
hgpdhm ufv hg.lk
|
|