نظرا لأهمية لحظة الموت في المراحل الانتقالية للإنسان من حال إلى حال ؛ فقد أولاها القرآن عناية ملموسة في كثير من آياته . وقد جاءت أربع آيات بينات تصف لحظة الموت ؛
حيث قال تعالى : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم ) ( الواقعة : 83)
وقال : (كلا إذا بلغت التراقى ) ( القيامة : 26 )
وقال : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم ) ( الأنعام :93 )
وقد جاءت الأحاديث النبوية كذلك موضحة للحظة الموت وسكراته ومدى شدته ؛حيث قال النبي ) ( معالجة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف وما من مؤمن يموت إلا وكل عرق منه يألم على حدة )) ( رواه أبو نعيم عن عطاء بن يسار ، في الحلية مجلد 8 ص 201 )
وتروى لنا عائشة رضي الله عنها انطباعاتها عند موت الرسول ، فتقول : (( مات النبي ÷ وإنه لبين حاقنتي (الجزء من الجسم المطمئن بين الترقوة و الحلق) واقنتي ( نقرة الذقن ) ، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي ))
( رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازى باب مرض النبي ووفاته 83 )
وقالت عائشة أيضا : (( إن رسول الله كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ويقول : (( لا إله إلا الله إن للموت سكرات ))
ثم نصب يده فجعل يقول : (( في الرفيق الأعلى )) حتى قبض ومالت يده ))
( رواه البخاري أيضا في صحيحه في كتاب الرقاق باب سكرات الموت 42 )
فانظر أخي المؤمن كيف كانت سكرات الموت شديدة على الحبيب المصطفى وهو النبي المرسل ؛ فكيف بالإنسان العادي ؟
وما جرى على النبي محمد من شدائد الموت وسكراته ، وأيضا على غيره من الأنبياء والمرسلين ، فيه فائدة عظيمة ، هي أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت ، وأنه باطن ، وقد يطلع البعض على المحتضر فلا يرى عليه حركة ،ولا قلقا ، ويرى سهولة خروج روحه ، فيغلب على ظنه سهولة أمر الموت ، ولا يعرف حقيقة الموقف الذي فيه الميت . فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم : شدة ألمه مع كرامتهم على الله وتهوينه على بعضهم ، قطع الخلق بشدة الموت الذي يعانيه ويقاسيه الميت مطلقا لإخبار الصادقين عنه ، عدا الشهيد قتيل الكفار كما سنوضحه فيما بعد .
وربما يتساءل البعض : كيف أن الأنبياء والرسل وهم أحباب الله ، يقاسون هذه الشدائد والسكرات ، مع أن الله قادر على أن يخفف عنهم ؟
والجواب : إن أشد الناس بلاء في الدنيا الأنبياء ، ثم الأمثل ، فالأمثل _ كما جاء في الحديث الصحيح : (( فأراد الله أن يبتليهم تكميلا لفضائلهم لديه ، ورفعة لدرجاتهم عنده ، وليس ذلك في حقهم نقصا ولا عذابا . بل هو كمال ورفعة ،مع رضاهم بجميل ما يجرى الله عليهم ، فأراد الله سبحانه أن يختم لهم بهذه الشدائد ، مع إمكان التخفيف والتهوين عليهم ، ليرفع منازلهم ، ويعظم أجورهم قبل موتهم ))
فقد ابتلى الله إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف، والأسفار،
وعيسى بالصحار ، والقفار، ومحمد بالفقر
في الدنيا ومقاتلة الكفار؛ كل ذلك لرفعة في أحوالهم، وكمال في درجاتهم ،
ولا يفهم من هذا أن الله شدد
عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخالفين فإن ذلك عقوبة لهم،
ومؤاخذة على إجرامهم ؛ فلا وجه للشبه بين هذا وذاك .