مقاصد الحج - منتديات صواديف عشاق

 ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

( إعلانات صَـوَادِيِفْ عُشَـاقْ )  
     
     
   

 

{ ❆فَعِاليَآت صواديف عشاق ❆ ) ~
                      

 

 


الإهداءات



-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك :
بيانات صواديف عشاق
اللقب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 07-05-2021
ملكة الحنان غير متواجد حالياً
قـائـمـة الأوسـمـة
الوسام الفضي

التميز

الحضور المميز

الترحيب بالاعضاء الجدد

 
 عضويتي » 8
 جيت فيذا » Jun 2021
 آخر حضور » 01-24-2024 (07:36 AM)
آبدآعاتي » 4,442
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه »
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » ملكة الحنان
مشروبك
قناتك
اشجع
مَزآجِي  »

اصدار الفوتوشوب : My Camera:

 
افتراضي مقاصد الحج

Facebook Twitter


من مقاصد العبادات ومعانيها

مقاصد الحج

انشغال الناس عن مقاصد العبادات:
ينشغل الناس أيَّامَ الحجِّ بالسُّؤال عن دقيق المسائل المتعلِّقة بالحج؛ فأحدهم يسأل عن شعرات سقَطَت من رأسه عندما حكَّه، وآخَر يسأل عن حصاته التي ضرَبَت في شاخص الجمرات ثم خرَجَت من الحوض، وهكذا... وكذلك الحال في كلِّ العبادات؛ ففي الصَّلاة ينشغل الناس بعدد الركعات، وكم قرأ؟ والطُّول والقِصَر، وكيفية وضع اليد على الصَّدر أو على البطن، وأكثر ما يشغل الناس في الصيام هو تناول المُفطِّرات من الطعام والشراب، ويسأل سائلٌ: ماذا لو أكلْتُ والمؤذِّن يؤذِّن ونحوه، وهذا يدلُّ على حرصٍ محمودٍ على أداء الشَّعائر على أكمل وجه، فالمؤمن التقيُّ يؤدِّي العبادة على أكمل وجْه، وأحسن صورة، وقد امتدح الله المُعَظِّمين لحُرُماته، فقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30] وامتدح من يعظِّم شعائر الدِّين، فقال - تبارك وتعالى -: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

ثمَّة أمْر آخَر أهمُّ، يَغْفل عنه الناس، هو الحِكَم التي من أجْلِها شرع الله هذه العبادة، وهل يحقِّقها كلُّ الحجيج أم لا يُدْركها أصلاً؟ فكل ما أمر به الله مِن شرائِعَ فإنَّه يندرج تحته حِكَمٌ من حِكَمِ الله البالغة التي تعود علينا بالنَّفع في دُنْيانا وأُخْرانا، وقد يغيب عن ناظرَيْنا بعضُ هذه الحِكَم، ونُدْرِك كثيرًا منها، لكن المقصود الأوَّل من تشريع العبادات هو إصلاح الإنسان وتهذيبه وتربيته.

قال ابن القيِّم: "فإنَّ الشريعة مبْناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمَعاد، وهي عدْلٌ كلها، ورحْمةٌ كلها، ومصالِحُ كلُّها، وحكْمةٌ كلها؛ فكل مسْألةٍ خرجَتْ عن العدْل إلى الْجَوْر، وعن الرحْمة إلى ضدِّها، وعن المصْلحة إلى المَفْسَدة، وعن الحِكْمة إلى العبَث؛ فليسَتْ من الشريعة وإنْ أُدْخِلَت فيها بالتأْويل؛ فالشريعة عدْل الله بيْن عباده، ورحْمته بيْن خلْقه، وظلُّه في أرْضه، وحكْمته الدالَّة عليْه وعلى صدْق رسوله - صلَّى الله عليْه وسلم - أتمَّ دلالة وأصْدقَها، وهي نوره الذي به أَبْصَر المبْصِرون، وهُداه الذي به اهْتدى المهْتدون، وشفاؤه التامُّ الذي به دواء كلِّ عليلٍ، وطريقه المسْتقيم الذي من استَقام عليْه فقد اسْتقام على سواء السبيل.

فهي قُرَّة العيون، وحياة القلوب، ولذَّة الأرْواح؛ فهي بها الحياة والغِذاء والدَّواء، والنُّور والشِّفاء والعِصْمة، وكل خيْرٍ في الوجود فإنما هو مُسْتفادٌ منْها، وحاصلٌ بها، وكل نقْصٍ في الوجود فسببه مِن إضاعتها، وهي العصْمة للناس وقوام العالَم"؛ "إعلام الموقعين".

مثال ذلك الخلل: مَن أراد أن يُقبِّل الحجَر الأسود، وتقبيله سُنَّة من كمال الحجِّ وحُسْن المناسك، فهل يليق أن نتزاحَم على تقبيله، فيؤدِّي إلي إيذاء الناس؟ فرُبَّما أضرَّ بامرأة عجوز، أو شيخ كبير، أو مريض، أو ضايق مسلمًا، فهل يليق أن نتناسى كلَّ هذا ولا نتذكَّر إلاَّ التقبيل؟ وننسى أنَّ إيذاء الناس كبيرة، وأنَّ اللِّين والرَّحْمة سِمَة من سمات المسلمين؛ إذ يقول ربُّنا: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

عن النُّعْمان بن بَشِيرٍ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثَلُ المُؤْمنين في توادِّهمْ وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثَلُ الجسَد، إذا اشْتكى منْه عضْوٌ تداعَى له سائر الجسد بالسَّهَر والْحُمَّى))؛ أخرجه البخاريُّ ومسلم.

فالله ما خلَقَ البشر إلاَّ لغاية سامية، وهدف رفيع، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

وهو سبحانه شرَع لنا العبادة لِنَفْعِنا، فقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37].

قال ابن كثير: "إنَّما شرع لكم نَحْرَ هذه الهدايا والضَّحايا؛ لِتَذْكُروه عند ذَبْحِها، فإنَّه الخالق الرَّزاق، لا أنه يناله شيءٌ من لُحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغنيُّ عمَّا سواه"؛ "تفسير القرآن العظيم".

يقول الشيخ محمَّد الغزالي - رَحِمَه الله -: "والعبادات التي شرعت في الإسلام واعتُبِرَت أركانًا في الإيمان به، ليست طقوسًا مُبْهَمة من النَّوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلِّفه بأداء أعمال غامِضَة، وحركات لا معنى لها، كلاَّ، فالفرائض التي أَلْزَم الإسلامُ بها كلَّ منتسبٍ إليه هي تمارينُ متكرِّرة لتعويد المرء أن يَحْيا بأخلاق صحيحة، وأن يظلَّ مستمسكًا بهذه الأخلاق، مهما تغيَّرَت أمامه الظُّروف، إنَّها أشبه بالتمارين الرياضيَّة التي يُقبِل الإنسان عليها بِشَغَف، ملتمسًا من المداومة عليها عافية البدَنِ وسلامة الحياة، والقرآن الكريم والسنَّة المطهرة، يَكْشِفان بوضوح عن هذه الحقائق.

فالصَّلاة الواجبة عندما أمر الله بها أبان الحكمةَ من إقامتها، فقال تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]، فالإبعاد عن الرَّذائل، والتطهير من سُوء القول وسوء العمَل هو حقيقة الصلاة.

والزَّكاة المفروضة ليست ضريبة تُؤْخذ من الجيوب، بل هي أوَّلاً غَرْس لمشاعر الحَنان والرَّأفة، وتوطيدٌ لعلاقات التَّعارف والأُلْفة بين شتَّى الطَّبقات، وقد نصَّ القرآن على الغاية من إخراج الزَّكاة بقوله: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، فتَنْظيف النَّفْس مِن أدران النَّقص، والتسامي بالمُجْتَمع إلى مستوًى أنْبَل هو الحِكْمة الأُولى، ومِن أَجْلِ ذلك وسَّع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في دلالة كلمة الصَّدقة التي ينبغي أن يَبْذلها المُسْلم، فعنْ أبي ذرٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((تبَسُّمك في وجْه أخيك لك صدقةٌ، وأمْرُك بالمعْروف ونَهْيُك عن المنْكر صدقةٌ، وإرْشادك الرَّجل في أرْض الضَّلال لك صدقةٌ، وبصَرُك للرَّجل الرَّديء البصَر لك صدقةٌ، وإماطتك الحجر والشوْكة والْعظْم عن الطريق لك صدقةٌ، وإفْراغك مِن دَلْوك في دلْو أخيك لك صدقةٌ))، قال: وفي الباب عن ابْن مسْعودٍ وجابرٍ وحُذَيْفة وعائشة وأبي هريْرة، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وأبو زُمَيلٍ اسْمه سمَّاك بْن الوليد الحنفي، أخرجه التِّرمذي، والسِّياق له، والبخاري في "الأدب المفرد"، وابن حبَّان وصحَّحه الألباني.

وكذلك شرع الإسلام الصَّوم، فلَمْ ينظر إليه على أنه حرمان مُؤَقَّت من بعض الأطعمة والأَشْرِبة، بل عدَّه خُطْوة إلى حرمان النَّفس دائمًا من شهواتها المَحْظورة، ونزواتها المنكورة، وإقرارًا لهذا المعنى فعنْ أبي هريْرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((منْ لَمْ يدَعْ قوْل الزُّور والعملَ به، فليْس لله حاجةٌ في أنْ يدَع طعامه وشرابه))؛ البخاري.

وعن أبي هُرَيْرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليْس الصيام من الأكْل والشُّرْب، إنَّما الصيام من اللَّغْو والرَّفَث، فإنْ سابَّكَ أحدٌ أوْ جهل عليْك، فقلْ: إنِّي صائمٌ، إني صائمٌ))؛ رواه ابن خُزَيمة وابن حبَّان في صَحيحَيْهما، والحاكم: "حسن"، وقال: صحيح على شرط مسلم، وصحَّحه الألباني.

والقرآن الكريم يَذْكُر ثمرة الصَّوم بقوله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

وفي فَرْض الحجِّ قد يحسب الإنسان أن السَّفَر إلى البقاع المقدَّسة الذي كُلِّف بها المستطيع، واعتبر من فرائض الإسلام على بعض أتْباعه، يحسب الإنسان هذا السَّفر رحلةً مجرَّدة عن المعاني الخلُقيَّة، ومثلاً لِمَا قد تحتويه الأديان أحيانًا من تعَبُّدات غيبيَّة، وهذا خطأ؛ إذْ يقول الله تعالى في الحديث عن هذه الشعيرة: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

وقال تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ [الحج: 36]، قال مجاهد: أجْرٌ ومنافع.

وقال كذلك: ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37].

هذا العَرْض المُجْمَل لبعض العبادات التي اشتهر بها الإسلام، وعُرِفَت على أنها أركانه الأصيلة، نستبين منه متانة الأَواصِر التي تربط الدِّين بالمقاصد والحِكَم، إنَّها عبادات مُتبايِنَة في جَوْهرها ومَظْهرها، ولكنَّها تلتقي عند الغاية والهدف والمقصد، فالصَّلاة والصِّيام والزَّكاة والحجُّ، وما شابه هذه الطَّاعات من تعاليم الإسلام، هي مدارج الكمال المَنْشود، وروافد التطهُّر الذي يصون الحياة ويُعْلي شأنها، ولهذه السَّجايا الكريمة - التي ترتبط بِها، أو تنشأ عنها - أعطيت مَنْزلة كبيرة في دين الله، فإذا لم يستفد المرء منها ما يُزكِّي قلبه، وينقِّي لُبَّه، ويهذِّب بالله وبالناس صِلَتَه، فقد هَوى، قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَنْ تَزَكَّى ﴾[طه: 74 - 76].

وربَّما قَدر الطِّفل على مُحاكاة أفعال الصلاة وترديد كلماتها، رُبَّما تمكَّن الممثِّل من إظهار الخضوع، وتصنُّع أهمِّ المناسك، لكنَّ هذا وذاك لا يُغْنِيان شيئًا عن سلامة اليقين، ونبالة المقصد، والحكم على مقدار الفضل ورَوْعة السُّلوك يرجع إلى مسار لا يُخْطئ، وهو الخلُق العالي"؛ "خلق المسلم"، محمد الغزالي، بتصرُّف يسير.

عفو الإسلام عن الخطأ والنِّسيان في الفروع:
عَفا الله في الفروع عن الخطأ والنِّسيان، فلا حرج على مَن نَسِيَ أو أخطأ فيه، ويظهر ذلك في الحجِّ جليًّا في حجَّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فعنْ عبدالله بن عمْرِو بن العاص أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف في حجَّة الوداع بِمِنًى للنَّاس يسْألونه، فجاءه رجلٌ فقال: لَمْ أشعرْ فحَلَقْتُ قبْل أنْ أذْبح، فقال: ((اذْبَحْ ولا حرج))، فجاء آخَر، فقال: لَمْ أشْعرْ، فنحَرْت قبْل أنْ أرْمي، قال: ((ارْمِ ولا حرَج))، فما سُئِل النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنْ شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلاَّ قال: ((افْعلْ ولا حرج))؛ البخاري ومسلم.

عنْ أبي ذرٍّ الغِفاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله تجاوز عنْ أُمَّتِي الخطَأَ والنسْيان وما اسْتُكْرِهوا عليْه))؛ رواه ابن ماجه، واللفظ له، والبيهقيُّ والنَّسائي، وصحَّحه الألباني.

أن تقدِّم أو تؤخِّر فلا حرج، فهو مِن العفو، أمَّا في المقاصد والمعاني وأُصول الشَّريعة، فلم يَعْفُ الإسلام عن الخطأ فيها أو نسيانه؛ لأنَّها يجب أن تختلط بِلَحْمِه، وتسيل مع دمه في عروقه، ينبض بها قلبه، وفي هذا يقول ربُّنا - تبارك اسمه -: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7].

علامة المكذِّبين بيوم الدِّين سوء خلُقِهم مع الله بدايةً، حيثُ أَهْمَلوا حقَّ الله في الصلاة، ولم يتوجَّهوا إليه بالإخلاص في العبادة، فراحوا يُراؤون النَّاس، وسوء خلُقِهم مع النَّاس نهاية، حيث يَنْهرون اليتيم، ولا يتمثَّلون أخلاق الدِّين التي دعَتْ إلى التَّكافل والمحبة والرأفة، فمنعوا خيرَهم عن الناس ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾.

وورد في ذلك عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عنْ أبي هريْرة قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، إنَّ فُلانة تَذْكر مِنْ كثْرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غيْرَ أنَّها تُؤْذي جيرانَها بلِسانِها، قال: ((هي في النَّار))، قال: يا رسول الله، فإنَّ فلانة تذْكر مِنْ قلَّة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنَّها تصدق بالأثْوار من الأَقِط، ولا تُؤْذي جيرانها بلسانِها، قال: ((هي في الْجَنَّة))؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد" وأحمد، والبزَّار، وابن حبَّان في "صحيحه"، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وابن أبي شيبة، وصحَّحه الألباني.

يقول الشيخ محمَّد الغزالي: "في هذه الإجابة تقديرٌ لقيمة الخلُق العالي (المقصد والغاية)، وفيها كذلك تنويهٌ بأنَّ الصدقة عبادة اجتماعيَّة، يتعدَّى نفْعُها إلى الغير؛ ولذلك لم يفترض التقلُّل منها، كما افترض التقلُّل من الصَّلاة والصيام، وهي عبادات شخصيَّة في ظاهرها، إنَّ رسول الإسلام - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يَكْتَفِ بإجابة على سؤال عارض، في الإبانة عن ارتباط الخلُق بالإيمان الحقِّ، وارتباطه بالعبادة الصحيحة، وجَعْله أساس الصَّلاح في الدُّنيا، والنَّجاة في الأُخْرى، إنَّ أمر الخلُق أهمُّ مِن ذلك، ولا بُدَّ من إرشاد متَّصل، ونصائِحَ متتابعة؛ لِيرسخ في الأفئدة والأفكار أنَّ الإيمان والصلاح والأخلاق، عناصر متلازمة متماسكة، لا يستطيع أحدٌ تمزيق عُرَاها"؛ "خلق المسلم"، محمد الغزالي.

وانظروا إلى عاقبة مَن انفكَّت عبادته عن مقاصدها وغاياتها، فلم يُحقِّق ما تَصْبو إليه العبادة، صلَّى وزكَّى، وحجَّ واعتمر، وصام وقام، لكنَّه ما أحدث تَغْييرًا في داخله، هو متمسِّك بالدِّين ظاهرًا، بعيد عنه كلَّ البعد باطنًا وجوهرًا؛ فعنْ أبي هريْرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتَدْرون ما الْمُفْلس؟)) قالوا: الْمُفْلِس فينا مَنْ لا دِرْهم له ولا متاع، فقال: ((إنَّ الْمُفْلس منْ أمَّتي يأْتي يومَ الْقيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأْتي قدْ شتَم هذا، وقَذَف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرَب هذا، فيُعْطَى هذا مِنْ حسناته، وهذا منْ حسَناته، فإنْ فَنِيَتْ حسناتُه قبْل أنْ يُقْضى ما عليْه، أُخِذ مِنْ خَطاياهم فطُرِحتْ عليْه ثم طُرِح في النَّار))؛ رواه مسلم والترمذيُّ وغيرهما.

يقول الشَّيخ الغزاليُّ: ذلك هو المُفْلِس، إنَّه كتاجرٍ يَمْلِك في محلِّه بضائِعَ بألف، وعليه ديون قَدْرها ألفان، كيف يُعَدُّ هذا المسكين غنيًّا، والمتديِّن الذي يُباشِر بعض العبادات، ويَبْقى بعدها بادِيَ الشَّر، كالِحَ الوجه، قريب العدوان، كيف يُحْسب امرَأً تقيًّا، وقد رُوي أنَّ النبِيَّ ضرب لهذه الحالات مثلاً قريبًا، قال: ((أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم، أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أو تَقْضِي عنه دَيْنًا، أو تَطْرُدُ عنه جُوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إلَيَّ مِن أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه، ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه، ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ، ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيَّأَ له، أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخَلُّ العسلَ))؛ رواه ابن أبي الدُّنيا في قضاء الحوائج، والطَّبراني في "الكبير" و"الأوسط" و"الصغير"، عن ابن عُمَر، وحسَّنه الألباني.

فإذا نَمَت الرذائل في النفس، وفشا ضَررُها، وتفاقم خطرها، انسلخ المرء من دينه كما ينسلخ العريان من ثيابه، وأصبح ادِّعاؤه للإيمان زورًا، فما قيمة دين بلا خلُق؟! وما معنى الإفساد مع الانتساب لله؟! وتقريرًا لهذه المبادئ الواضحة في صِلَة الإيمان بالخلق القويم، يقول النبيُّ الكريم - صلى الله عليه وسلم – فيما روي عنْ عبْدالله بن عمْرٍو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرْبعٌ منْ كُنَّ فيه فهو منافقٌ خالصٌ، ومنْ كانتْ فيه خُلَّةٌ منْهن كان فيه خلَّةٌ منْ نفاقٍ حتى يدعها، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخْلف، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر))؛ أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه.

عن الْحَسن عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلم – قال: ((ثلاثٌ منْ كُنَّ فيه فهو منافقٌ وإنْ صام وصلَّى وزعم أنه مسْلمٌ؛ مَنْ إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخْلف، وإذا اؤْتُمِن خان))؛ رواه مسلم، وأحمد واللَّفظ له.

وعنْ أنسٍ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: سمعْت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه فهو مُنافقٌ وإنْ صام وصلَّى، وحجَّ واعْتمر، وقال: إني مسْلمٌ؛ إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخْلف، وإذا اؤْتُمِن خان))؛ رواه أبو يعلى وحسَّنه الألباني.

اختلاف العلماء في الفروع واتِّفاقهم في الأصول:
ومن المعلوم أنَّ علماء الأُمَّة اتَّفقوا على أنَّ للشَّعائر مقاصِدَ ومعاني وغاياتٍ، واختلفوا في طريقة أداء هذه الشَّعائر، وللفقهاء والعلماء في ذلك مذاهب وآراء، فلتُؤَدِّ على أيِّ وجه، فلْتَضعْ يدك في الصَّلاة على أيِّ وضع، على أيِّ مذهب، إن كانت تُوافق النصَّ الشرعيَّ، المهمُّ أن تصلِّي الصلاة التي تؤتي ثمارها، فلُتَقدِّم من مناسك الحجِّ أو تؤخِّر، المهمُّ أن تحجَّ، وأن يكون الحجُّ مبرورًا.



الحجُّ كسائر العبادات شرَعه الله - عزَّ وجلَّ - لِحِكَم، وواجبٌ على الحاجِّ أن يسعى في تحقيق هذه الحِكم، وتعلُّم هذه الدروس.

ومن دروس الحج: حُسْن الخلق، والصبر على مَشاقِّه؛ حِسْبَة لله وابتغاءً لأجْره - جلَّ وعلا - وقد أشار رسول الله إلى هذه المشاقِّ بما رُوي عنْ عائشة قالتْ: قلْت: يا رسول الله، على النِّساء جهادٌ؟ قال: ((نعمْ، عليْهنَّ جهادٌ لا قتال فيه؛ الْحجُّ والْعمْرة))؛ ابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الألباني.

عنْ عائشةَ بنْتِ طلْحة، عنْ عائشةَ أُمِّ الْمؤْمنين - رضي الله عنها - أنها قالتْ: يا رسول الله، نرى الْجِهاد أفْضل الْعمل، أفلا نجاهد؟ قال: ((لا، لكُنَّ أفْضل الْجهاد: حجٌّ مبْرورٌ))؛ البخاري.

وأثناء هذا الجهاد ينبغي أن يتحلَّى الإنسانُ بِحُسن العشرة، وكريم الأخلاق، والصَّبر على ما يَصْدر من الناس بسبب الزحام والتَّعب وغيره، قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].

عن أبي هريْرة - رضي الله عنه - قال: سمعْت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((منْ حجَّ لله فلمْ يرْفُثْ ولمْ يفْسقْ، رجَع كيوْم ولدَتْه أمُّه))؛ البخاري ومسلم.

عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنْهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفْضل الإيمان عنْد الله - عزَّ وجل - إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيل الله، وحجٌّ مبْرورٌ))، قلْنا: يا رسول الله، وما بِرُّ الْحج؟ قال: ((إطْعام الطعام، وطيب الْكلام))؛ رواه أحمد، والطَّبراني في "الأوسط" بإسناد حسَن، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقيُّ، والحاكم مختصَرًا، وقال: صحيح الإسناد، وصحَّحه الألباني؛ "صحيح الترغيب والترهيب".

وكثرت النُّصوص في الإعلاء من شأن الأخلاق، التي هي مقصد العبادة وغايتها؛ عنْ أبي هريْرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أكْمل الْمؤْمنين إيمانًا أحْسنهمْ خلقًا))؛ أخرجه التِّرمذي، وأحمد، وقال الترمذيُّ: "حديث حسن صحيح"، وصحَّحه الألباني.

وفي رواية: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسَنُهم خلُقًا، المُوطَّؤون أكنافًا، الذين يَأْلفون ويُؤلَفون، ولا خير فيمن لا يَألف ولا يُؤْلَف))؛ أخرجه الطَّبراني، وحسَّنه الألباني.

عنْ مسْروقٍ قال: دخَلْنا على عبْدالله بْن عمْرٍو حين قَدِم مع معاوية إلى الْكوفة، فذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لمْ يكنْ فاحشًا ولا متفحِّشًا، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ مِنْ أخْيركمْ أحْسنَكم خُلقًا))؛ البخاري.

عنْ عَمْرِو بْن شعيْبٍ عنْ أبيه عنْ جدِّه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ألا أُخْبِركمْ بِأَحبِّكمْ إلَيَّ، وأقْرَبِكمْ منِّي مَجْلسًا يوْم الْقيامة؟)) فسكت الْقوْم، فأعادها مرتيْن أوْ ثلاثًا، قال الْقوْم: نعَمْ يا رسول الله، قال: ((أحْسنُكمْ خُلقًا))؛ رواه أحمد وابن حبَّان في "صحيحه"، وصحَّحه الألبانيُّ، وهذا سند صحيح على شرط السِّتة، وقد أخرجه البخاريُّ بلفظ "أخلاقًا"، "السِّلسلة الصحيحة"، للألباني.



ومن تعدَّى خيره حتى وصل إلى منفعة الناس، فهو أفضل مِمَّن وقف نَفْعُه على نفسه؛ وذلك لأنَّه حقَّق المقاصد فيه وفي غيره.

عنْ أُمِّ الدَّرْداء عنْ أبي الدَّرْداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أُخْبركمْ بأفْضَلَ مِنْ درجة الصِّيام والصلاة والصدقة؟)) قالوا: بلى، قال: ((صلاح ذات الْبَيْن، فإنَّ فساد ذات البَيْن هي الحَالِقة))؛ قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صحيحٌ، ويُرْوى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((هي الْحالقة، لا أقول: تَحْلق الشَّعر، ولكنْ تحْلق الدِّين))؛ رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وابن حبَّان في "صحيحه"، وقال التِّرمذيُّ: حديث صحيح، وصحَّحه الألباني.

فمَن حقَّق الصلاح في نفسه بالعبادة وإقامتها، وراح يُقِيم الصَّلاح في غيره، فهو من المُصْلِحين، وهي أعلى درجة مِن الصالحين، بل هي صمام الأمان من عذاب الله وإهلاكه للأُمَم: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117].

﴿ وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170].

عنْ أبي هُرَيْرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((السَّاعي على الأرْملة والْمِسْكين كالْمُجاهد في سبيل الله - وأحْسبه قال، يشُكُّ الْقعْنبي: كالْقائم لا يَفْتُر - وكالصائم لا يُفْطِر))؛ البخاري.

فسَعْيه على مصالح الناس دليل عظيم على أنَّه أقام مقاصد الدِّين؛ لأنَّه لان قلْبُه، ورَقَّت مشاعره، وغُرِسَت الرَّحمة في قلبه من عبادته لله بِحَقٍّ، فهو أفضل من الصائم القائم تطوُّعًا، صالِحًا في نفسه، غير متعدٍّ خيرًا على غيره.

حصول التقوى:
والتَّقوى غاية الأمر، وجِماعُ الخير، ووصيَّة الله للأوَّلين والآخِرين، والحجُّ فرصة عُظْمى للتزوُّد من التَّقوى، قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾[البقرة: 197]، وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37]، يرفع فيها الحجيجُ أصواتهم بالتلبية والتهليل، والتَّوحيد والتكبير، والتَّسبيح والتحميد، إنَّهم يُعْلِنون على أفواههم التَّوحيد الخالِص من خلال التَّلبية: "لبَّيْك اللهم لبَّيك، لبيك لا شريك لكَ لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك".

ومن دروس الحج وحِكَمِه:
الاستسلام والامتثال لأمر الله، وهو ما نتربَّى عليه في عددٍ من شعائر الحجِّ، وذلك نراه في امتثال الحاجِّ وقيامه بالكثير من العبادات التي قد لا يُرى وَجْهُ الحكمة فيها، كالطَّواف والسَّعي، وكونها سبعًا، والابتداء بالطَّواف من الحجر الأسود، وللسَّعي من الصَّفا، ورمي الجمرات بِسَبع حصيات، وكل ذلك يصنعه الحاجُّ امتثالاً لأمر الله واستسلامًا لشرعه.

روى البخاريُّ أن عمر بْن الْخطَّاب - رضي الله عنه - قال للرُّكْن: "أمَا والله إنِّي لأَعْلم أنَّك حجَرٌ لا تَضرُّ ولا تَنْفع، ولوْلا أنِّي رأيْت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتلمَك ما اسْتلمْتُك"، فاسْتلمه، ثم قال: "فما لنا وللرَّمَل، إنَّما كُنَّا راءَيْنا به الْمُشْركين، وقدْ أهْلَكَهم الله"، ثم قال: "شيءٌ صنَعَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فلا نحبُّ أنْ نَتْركه".

عنْ يَعْلى بْن أُميَّة قال: طُفْت مع عمر بْن الْخطاب، فلمَّا كنْتُ عنْد الرُّكْن الذي يلي الْباب مِمَّا يلي الْحجر، أخذْتُ بيده لِيَسْتلم، فقال: أمَا طُفْتَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلْتُ: بلى، قال: فهلْ رأيْته يسْتلمه؟ قلْت: لا، قال: فانْفذْ عنْك؛ فإنَّ لك في رسول الله أسْوةً حسنةً؛ رواه أحمد وعبدالرزَّاق والبيهقي.

وهذا الدَّرس نتعلَّمه من هاجر حين تركها إبراهيم في بَطْحاء مكَّة، حيث لا ماء ولا زرع، عنْ سعيد بْن جبيْرٍ قال ابْن عباسٍ: أوَّل ما اتَّخذ النساء الْمِنْطَق منْ قِبَل أُمِّ إسْماعيل، اتَّخَذَتْ مِنْطقًا؛ لِتُعفِّي أثَرها على سارة، ثم جاء بها إبْراهيم، وبابْنِها إسْماعيلَ وهْي تُرْضعه حتى وضعَهما عنْد البَيْت، عنْد دَوْحةٍ، فوْق زمْزم في أعْلى الْمسْجد، وليْس بمكَّة يوْمئذٍ أحدٌ، وليْس بها ماءٌ، فوضعَهما هنالك، ووضع عنْدهما جِرابًا فيه تَمْرٌ، وسقاءً فيه ماءٌ، ثم قفَّى إبْراهيم منْطلِقًا فتَبِعَتْه أمُّ إسْماعيل، فقالتْ: يا إبْراهيم، أيْن تذْهب وتتْركنا بهذا الْوادي الذي ليْس فيه إنْسٌ ولا شيءٌ؟ فقالتْ له ذلك مِرارًا، وجعل لا يلْتفت إليْها، فقالتْ له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعَمْ، قالتْ: إذًا لا يُضَيِّعنا، ثم رجعَتْ، فانْطلَق إبْراهيم حتى إذا كان عنْد الثنيَّة حيْث لا يرَوْنه، اسْتقْبَل بوجْهِه البيْتَ، ثم دعا بهؤلاء الْكلمات ورفع يديْه، فقال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ [إبراهيم: 37] حتى بلغ ﴿ يَشْكُرُونَ ﴾؛ البخاري.

عنْ زيْد بْن أسْلم، عنْ أبيه قال: سمعْت عمر بْن الْخطاب يقول: "فيمَ الرَّمَلان الْيوْم، والْكشْف عن الْمناكب، وقدْ أطَّأ الله الإسْلام، ونَفى الْكفْر وأهْله؟ مع ذلك لا ندَع شيْئًا كُنَّا نفْعله على عهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ رواه ابن خزيمة وأبو داود، وابن ماجه، وقال الألباني في "صحيح أبي داود": إسناده حسَنٌ صحيح، وهو على شرط مُسْلم، وصحَّحه الحاكم والذَّهبيُّ على شرطه، وأخرجه البخاري بنحوه.


نسأل الله - تبارك وتعالى - الإخلاص في القول والعمل، والسرِّ والعلَن، ونسألكم الدُّعاء.


﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]، والصلاة والسَّلام على مَن:
بَلَغَ العُلَى بِكَمَالِهِ مقاصد الحج
كَشَفَ الدُّجَى بِجَمَالِهِ مقاصد الحج

عَظُمَتْ جَمِيعُ خِصَالِهِ مقاصد الحج
صَلُّوا عَلَيْهِ وَآلِهِ

الموضوع الأصلي: مقاصد الحج || الكاتب: ملكة الحنان || المصدر: منتديات صواديف عشاق

كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات





lrhw] hgp[





رد مع اقتباس

اخر 5 مواضيع التي كتبها ملكة الحنان
المواضيع المنتدى اخر مشاركة عدد الردود عدد المشاهدات تاريخ اخر مشاركة
لا تحقرن صغيراً في مخاصمة ..... إن البعوضة تدمي... •₪•♔ ضفاف العام الحر♔•₪• 2 731 12-18-2023 03:25 PM
أعطني يديـك وأعدك بألا أجعلك تتعثّـــر ابداً •₪•♔ ضفاف العام الحر♔•₪• 2 637 12-18-2023 03:04 PM
أنت كريم ذاتك •₪•♔ ضفاف العام الحر♔•₪• 2 630 12-18-2023 02:50 PM
سمات القرآنيين ۞۩ قسم القران الكريم والتفسير وعلومه ۩۞ 3 756 11-26-2023 07:27 AM
تحذير من أخذ بعض القرآن وترك بعضه ۞۩ قسم القران الكريم والتفسير وعلومه ۩۞ 2 706 11-26-2023 07:24 AM

قديم 07-05-2021   #2




 
 عضويتي » 2
 جيت فيذا » May 2021
 آخر حضور » منذ 11 ساعات (06:12 AM)
آبدآعاتي » 74,606
 حاليآ في » بمملكتي ههنــا.
دولتي الحبيبه »  Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » العام ♡
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  » عزباء ♔
 التقييم » صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق صواديف عشاق
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  1

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 9 CS2 My Camera: Nicon

My Flickr  مُتنفسي هنا تمبلري هنا

мч ммѕ ~
MMS ~
 

صواديف عشاق غير متواجد حالياً

افتراضي



عواافي لجلب وتميزك بذووقك رائع وقيم

طبتي لك فواح ال




رد مع اقتباس
قديم 07-07-2021   #3



 
 عضويتي » 7
 جيت فيذا » Jun 2021
 آخر حضور » منذ يوم مضى (08:50 AM)
آبدآعاتي » 67,158
 حاليآ في » صواديف عشاق
دولتي الحبيبه »  Libya
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي ♡
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  » عزباء ♔
 التقييم » ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب ريحانة القلب
مشروبك   pepsi
قناتك
اشجع
مَزآجِي  »  12

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera:

 مُتنفسي هنا تمبلري هنا

мч ммѕ ~
MMS ~
 

ريحانة القلب غير متواجد حالياً

افتراضي



جزاكِ الله خيرًا
وبميزان حسناتكِ يارب




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 05:39 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009