يقول أحد المدراء :
عندما ترقيت إلى منصب مدير كان من ضمن الموظفين عندى شابٌ نشيطٌ جداً وناجحٌ في عمله
وكان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاءٍ وسرعةٍ ودقةٍ ،
كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً ، لكنه كان لعوباً إلى حد ما فلقد كان يغادرُ مقرَّ عملهِ كثيراً بدون إذن ،
حتى أن إجازاتُه وأذوناتُه أكثر من المُعتاد.
ذاتَ مرة تقدّم الشاب بإجازة ليسافر مع أصدقائهِ في رحلة .. لكنني رفضتها
فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازةٍ مرضيةٍ ، واتصل مدعياً المرض معتذراً عن الحضور ولأنني أعرف أنه ليس مريضاً ذهبتُ صباحاً إلى بيته وانتظرتُ هذا الشاب باكراً ثم قابلته وهو يحمل عدّة الرحلات
كاد الموظف يذوبُ خجلاً ، ووجههُ يتقلّب بين الخجلِ والحرج
للأسف بينتُ له أنه لم يكن قادراً على خِداعي ، وأنني لستُ بتلك السذاجة التي يظنُّها وبرهنت له أنه كاذب وخصمتُ عنه أجرَ اليوم مضاعفاً .
لكن ماذا حصل بعد ذلك :
بعد أيامٍ ، تقدَّم الشابُّ باستقالته ومن جهتي ،
خسرتُ جُهده ونسبةَ الإنجاز العالية التي كان يُحققها ، ولم يعُد بالإمكان أن أرفع لإدارتي العليا نسبَ الإنجاز السابقة ، وصرتُ بحاجةٍ للبحث عن شاب يمكنه أن يحقِّق ذات الإنجاز وهم قليل
لقد كان غباءاً منقطعَ النظير ، فما الذي استفدتُه من ذلك... ؟
يومها إكتشفت أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا ، يكون بسبب التضييق على الآخرين ، وإغلاق منافذ الهروب
ما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين :
إما أن يهربَ مِنك وتَخسر جهده أو يتخذك عدواً فيكيدُ لك ويدعو عليك وسيتراجع نشاطه كنوع من الدفاع عن النفس .
وفي كلتا الحالتين ستكونُ خاسرا"
لذلك أجدُ أنه من المناسبِ أن تختارَ اللحظةَ لتسمحَ للطرفِ الآخر أن يتراجَع ، أن يهربَ بِكرامة ، فبعضُ التغافل مفيدٌ جداً.
لن تكون منتصراً فعلياً فيما لو كشفتَ المرء أمامكَ وأمام نفسه حد الاحراج ،حيث لن يجد بداً من المواجهة أو الهروب
فالتجمُّل و التّغافل هو ورقة مهمة و التي تسترنا وتحمينا. ليس الغافل بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغافل.
الأفضلُ دائماً أن تفتحَ لخصمكَ طريقاً يخرجُ منه كريماً فيحترمُك ، بدل أن تُحرجه فيُعادِيك.
لا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الفوزِ هزيمة .
ولا تُحرق مراكبكَ أبداً فقد تحتاجها قريباً
فلابد أن تكسب الجميع بنوع من التغافل الذكي والتجاوز ،وذلك ليس غباء بل هو منتهى الذكاء والفطنة.