قد نفكر في وقت الهدوء الليلي في مشاريع طويلة عريضة، ونحسب حساب تنفيذها في النهار، ويكون لنا من العاطفة والشعور والإحساس نصيب أكبر، كما أن حضور الخيال يكون على أشده.
هذه التركيبة من الهدوء والخيال والأماني والتمنيات، والابتسامات التي تغلب عليها، تجعلنا في جانب أقرب إلى الافتراضية منها إلى الواقع.
وهذا لا يتضح لنا أنه افتراضي إلا في النهار حيث الواقع والنهار المبصر، فيختلف الوضع نهاراً عندما يتضح الواقع وتقصر الأدوات الفعلية عن التنفيذ وتتوارى الخيالية والافتراضية، ما يجعلنا نتراجع عن أغلب ما كنا نفكر فيه ليلاً.
وهذه ليست حالة واحدة تمر بالناس بل في غالب ما يكون في الليل لا يصبح واقعاً أمام التطبيق الفعلي، لهذا قالوا: «كلام الليل يمحوه النهار».
ويضرب المثل لمن يجنح للخيال في تطلعاته ولا يجعل للواقع نصيب معتبر، كما يقال في حالة الرغبة في زعزعة رأي لم يكن حكيماً، أو التقليل من شأن رأي أو من صاحبه وأنه ليس على قدر وعده وإصراره، ومثل ما يقولون: تروح عشره واحدة.
يقول الشاعر علي بن رحمة:
إذا مرّيت صوب الدار الأول
أشوف الدّار تذريها الذواري
أخِف السير في دربي واحوًّل
وأطالع من يمين ومن يساري
وأعيد الشوف وأذكر عام الأول
وأشم الدار وتقفر الأثاري
تقول الدار ماضيكم تحوّل
وجَيش الحب مِعلَن بالطواري
مثل ما قال راعي الوصف الأول
(كلام الليل يمْحِيه النهاري)