وإني لأتمنى أن يكون لكل إنسان فطور روحي يهتم بالمحافظة عليه قدر اهتمامه بالفطور المَعِدِيّ
فليست الروح أقل شأناً من المعدة، فلماذا نحافظ على مطالب المعدة، ونحفل بها، ولا نحفل بمطالب الروح؟
ومن هذا الغذاء الروحي صرفُك كل يوم نحو نصف ساعة في آخر اليوم وتحاسب فيه نفسك ماذا صنعت،
وكيف تتجنب الأغلاط التي كانت؟
إن كثيرين مغمورون إما بالعمل المتواصل في جمع العلم أو جمع المال، ولكنهم مع ذلك عبيد مطامعهم،
وخير من ذلك كله أن يتفرغوا بعض الوقت إلى أنفسهم؛ فذلك يضمن لهم سعادة أكثر من عملهم ومالهم
إن سكون الإنسان إلى نفسه غذاء روحي خير من العمل المتواصل، وخير من جمع المال.
وهذا الغذاءُ الروحيُّ إذا تغذيته صباح مساء حملك على أن تعفو عن المسيء وأن تنظر إلى إساءته كأنها نتيجة طبيعية لبيئته وحالته،
وتقدر أنك لو كنت مكانه لك مزاجه ولك بيئته لفعلت فعلته.
والغذاء الروحي يخفف من مطامعك، ويجعلك ترضى عما حدث في يومك في مأكلك ومشربك وعملك وما قابلت من أناس،
ويجعلك تختم يومك عند محاسبتها بأنه كان يوماً سعيداً يضاف إلى حلقة الحياة السعيدة.
ويخطئ من ظن أن المال وحده يسبب السعادة؛ فإن كان المال عاملاً من عوامل السعادة يساوي عشرة في المائة
فالحالة النفسية تسبب من السعادة التسعين في المائة الباقية،
ويحكون أن سليمان _ عليه السلام _ أوتيت له كنوز الأرض، وبنيت له قصور فخمة،
ومع ذلك كتب يقول: إن هذا كله عبث ولا قيمة إلا لسعادة الروح.
وربما كان قلب الطفل أسعد حالاً من كثير من الناس؛ فإنه يبتهج لطلوع الشمس،
ويبتهج للعبه الصغيرة يلعبها، ويبتهج للألعاب الرياضية،
ويعجب من الطير تطير في السماء، ويفرح للمناظر الطبيعية الجميلة: من منظر بحر، ومنظر جبل،
فإذا نحن كبرنا فقدنا هذه العواطف الجميلة، وجفَّت نفوسنا لعدم غذائها، وإذا حضرتنا الوفاة تبين لنا أننا كنا نعيش في أوهام.
ولا شيء يغذي الروح أحسن من الحب بمعناه الواسع، فحب الخير للناس،
وحب المناظر الجميلة، وحب إسعاد الناس ما أمكن، كل هذا غذاء