وما بين المتباينين إلا يقين بذاك المصدر الذي منه ينبثق ذاك الخير والشر ، الشر في نظر من يتلقى تلك الهدايا كونه لا يرى غير الظاهر من الأمور ، وفي حقيقتها خير ينال ذلك المنكوب ، ولن ينجلي حقيقته إلا بعد حين ،
من ذلك كان الإيمان بالقضاء والقدر ليستحضر الإنسان ماهية ذلك الإيمان إذا ما نزل في ساحة العبد المحن والبلاء ،
الإنسان إذا عاش حياته مع الله وقد آمن بقضاء الله ، وبأن كل شيء قد أبرم في كتاب نزلت السكينة على قلبه وروحه ، فواسى بذلك جروحه ،
يبكي ولكن من غير اعتراض ، يذرف الدموع ولكن من غير نواح ولا دعوة جاهلية ، ولا شق جيوب ، ولا لطم وجوه .
وما غالب تلك الهدايا غير هدايا ما لنا عليها اختيار بل نحن مسيرون فيها ، من هنا لزم علينا الصبر وتقبلها من غير ضيق ولا ضجر يذاع ، فذاك من كمال الإيمان ،
تحضرني قصة ذلك العالم العماني _ لا يحضرني اسمه _ عندما مات له ولد ، وفي صباح يوم العيد ذهب بثيابه القديمة ولم يتزين ، وفي منتصف الطريق أخذ يحدث نفسه ويقول :
لو سألك الله تعالى يا فلان لم لا تتزين في يوم عيد ؟! هل أقول له أنك قتلت ابني !!!
" فرجع بيته ولبس ثوبه واستغفر ربه " .
لنستحضر تلك الهبات التي لا حصر لها لنعقد تلك المقارنة بينها وبين ما ينتابنا من منغصات ،ليكون الشكر يلهج به اللسان ويُصّدقه الجَنان ، وبذلك تنجلي الهموم ، وتنقشع الغمام .
لا ولن تنقطع تلك الهدايا ما كانت الروح حبيسة الجسد ، وذاك يقين وجب على الماضي على ظهر هذه الحياة أن يعيش يومه على توقع الخير مهما خالط ذلك كئيب المعطيات ،
" فلن يستطيع الحياة من عاش على الغوص في الهدية التي يبديها القدر إذا كانت مغلفة بما يدمي القلب ، ويدمع العين على الأثر " .
ما يكون حسن الظن بالله إلا طريقا نتقبل به تلك الهدايا خيرها وشرها ، شرها في ظاهر ما يتبادر لذهن ذلك المرء وهو الخير في ميزان وعلم الله ، ولا يكون المرء متربعاً تلكم الدرجة مالم يعرف ويتعمق في معاني اسماء الله الحسنى التي منها يتعرف عن صفات من أخضع له رقبته ، وسلم له أمره طوعاً وكرها !
وكم من عبارات يُطلقها البعض تخرج من أفواه المتذمر لا يقصد بها اعتراضا غير أنها تخرجه عن الصواب فمنها :
- بأن الله كتب لهم فعل المعاصي . - أن الله كتب له الشقاء . - أن الله كتب له النار .
" بينما الاختيار جعله له ليختار أي النجدين يختار " .