حينَ نوَد قول كل شيء ، ماذا نخرِج أولاً ؟ الحديث أم البكاء أو الوجع؟ أم أننا نكتفي بالصمت ، وتكديس كل الكلام بداخلنا على هيئة نوم طويل نستيقظ من بعده كالجثث ، هالات سوداء تحت الجفون ، ذكريات سوداء بالقلب ، ماضٍ أسود بالذاكرة وحب أسود لا يغيب ، من أين نبدأ ، كيف نستعِد للحديث ؟ وقد ظلّ الكلام معلّقاً بالحناجر لدهرٍ من الزمن ، كيف نتكلم ونحن اعتدنا على الصمت ، نحب فنصمت عن حبنا ، تترتّب الأقدار فنعيش الحب واقعاً ، ثمّ يؤلمنا الحب فنواجه ألمه ، يحدث الفراق ، فنجيب بالصمت ، نشتاق فنصمت ، يزداد الشوق داخلنا فنصمت ، كيف نتحدث إذا أردنا الحديث ، هل سيخرج كلامنا صمتاً؟!!
إن أردتَ نسيان أحدهم بشدة ، واجه جراحه بداخلك ، إنكسِر مرة واثنتين وتلاثة حينَ تتذكّره ، إنّ في التذكر اعتياد على الوجع وفي المواجهة قوة تولَد من فراغ ، إستمع لموسيقاكما المفضلة ، سيرجف داخلك مرة مرة ومرتين وعشراً ثمّ يبرد ، الأغنية لن تُحدث ضجيجاً بعد ذلك ، والرجفة ستنسى طريقها إليك ، تصفّح الرسائل اليوم وغداً وبعد غد ، وقارن دفء الرسائل القديمة ببرود الرسائل الأخيرة ، قارن لهفة الحديث في السابق بغياب الإتصال اليوم ، تصفّح الصور وقارن الصور ستراه أجمل ما خلق الخالق اليوم ، ستراه عادياً بعد مدة ، وستشعر بروعتك بالمقارنة معه بعد حين ، النسيان لا يأتي بالهروب ، النسيان يأتي بعد جهاد جهيد ، بعد مواجهة ووجع مواجهة وضيق نفس إثر المواجهة ومحاولة الفرار من المواجهة وتقبّل المواجهة ثمّ النسيان ، إن لم تواجِه وتهربت من كل التفاصيل ، ستنسى اليوم وتنسى غداً ، وستتذكر أكثر من المطلوب في يوم يكون فيه التذكر أكثر وجعاً من الحب نفسه..
نحنُ بقايا علاقة تآكلت قبل زمن بعيد..
بقايا مشاعر لاتزال تجلس كل ليلة على مقربة من الذكريات ، تسأل وتستفسر "يا ترى لماذا لم نستمر؟" ..
نحن بقايا ذكريات عشنا بها سنين عمرنا ونحن نحب..
بقايا آهات علمتنا أننا مهما أحببنا لن نستمر لمجرد أننا نريد أن نحب ..
نحن بقايا كبرياء يجعلنا نرحل عن الأذى وداخلنا يئن من فرط التمسك..
نحن بقايا الكبرياء نفسه الذي يدفعنا للرحيل دون تفكير ..
نحن كومة تناقضات كومة مشاعر مندفعة لا يمكنها أن تعيش كلها داخل قلوبنا ..
نحن الحب الذي نما بلطف ذات يوم ثمّ انطفأ ..
الكره الذي نحاول ألا يسيطر على نقاء قلوبنا..
نحن القوة التي تُحتّم علينا النسيان بدافع الكرامة..
الضعف الذي يُحتّم علينا البقاء بدافع الإعتياد..
نحن الحب الذي عاش في قلوبنا زمناً..نحن الوجع الذي سنعيشه أزماناً ننسى ذلك الحب..
هناك أوجاع استَوطنت قلوبنا..
نختنق بها وحدنا ، لا نخبر أحدا كي لا يستهين بها ، نعجز عن البَوح بها فنحن لا نعلم من أين وكيف سنبدأ بالحديث عنها ، نعلَم أنها تُدمّرنا ، تسلبُ منا الشعور بالحياة حولنا ، هي لا تغادرنا أبداً ومهما ادّعَينا أننا تجاوزناها ، تخرج من أعماقنا على شكلِ تنهيدة لتُخبِرُنا " أنا هنا"..نكتفي بوضع أيدينا على قلوبنا والدعاء سِرًّا.." أستُرنا يا الله وارحَمنا"
كل شئ صار حبلا ً..
الكذب الخانق حبل ، الصداقات السطحية حبل ، المشاعر الصادقة حبل.، التماس العذر للمتحججين حبل ، الوقوف على الحياد وعدم الانحياز حبل ، بذرة الخير وسقياها حبل ، طريق الحق الموحش حبل ، البحث المفرط عن السعادة حبل ،
وكل الحبال خانقة الا حبل الله وحدة ..
وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا